غزة تتضور جوعًا: كيف حوّل حصار 2025 الطعام إلى سلاح؟

في عام 2025، وبينما كانت عيون العالم شاخصة نحو التطورات السياسية والعسكرية في غزة، كانت هناك مأساة تتشكل في صمت: الجوع. لم تكن المجازر وحدها عنوان هذه الحرب، بل كان الجوع الوجه الآخر، الصامت والمُنهِك، الذي فتك بالأرواح دون ضجيج. في ظل الحصار المستمر، ووسط الدمار الشامل للبنية التحتية، أصبح تأمين لقمة العيش في غزة معركة يومية، تُخاض بلا ذخيرة ولا دروع.

الطعام سلاح حرب
منذ بداية حرب 2025، اعتمد الاحتلال الإسرائيلي سياسة ممنهجة لتجويع السكان، ليست فقط عبر القصف والتدمير، بل عبر حصار خانق طال الموانئ، المعابر، وحتى الأراضي الزراعية. تم استهداف مخازن الطعام، bakeries، الأسواق، وصوامع القمح، حتى باتت عبارة “الخبز غير متوفر” مألوفة في معظم أحياء غزة.
إسرائيل لم تستخدم الطائرات فقط، بل استخدمت أيضًا التحكم بالمواد الغذائية كأداة ضغط. منعت دخول المساعدات، وضيّقت الخناق على شاحنات الأونروا، بل وفي بعض الحالات، قصفها وهي في طريقها للمحتاجين. كان الهدف واضحًا: “التركيع عبر التجويع”.

الخبز حلم… والطوابير مشهد يومي
منظر الطوابير الطويلة أمام المخابز بات جزءًا من يوميات أهل غزة. الناس ينتظرون لساعات من أجل ربطة خبز واحدة، وغالبًا ما يُخيّب أملهم بانتهاء الكمية. المخابز التي نجت من القصف تواجه شُحًّا في الدقيق والوقود، ما جعلها غير قادرة على العمل بانتظام.
سعيد (42 عامًا)، أب لخمسة أطفال، يقول:
“في أحد الأيام، وقفت 4 ساعات في الطابور، ولما وصل دوري قالوا لي: خَلَص الطحين. رجعت لأولادي بيدي فاضية… كانوا بيبكوا من الجوع.”
انهيار النظام الغذائي
الحرب دمّرت كل ما له علاقة بإنتاج الغذاء:
- الحقول أُحرقت، أو أصبحت ساحات معارك.
- الثروة الحيوانية نُهِبت أو ماتت من الجوع والعطش.
- المياه ملوثة أو منقطعة، ما جعل الزراعة مستحيلة.
- سلاسل التوريد توقفت بالكامل.
في غزة، لم تعد الأسواق تُشبه الأسواق، بل أصبحت زوايا خاوية من كل شيء، إلا من الأسعار المرتفعة والوجوه القلقة.

أطفال غزة يأكلون ورق الشجر
في مشاهد تعيد للأذهان أيام المجاعات الكبرى، اضطر بعض السكان لأكل أوراق التين أو الحمضيات المغلية فقط لتهدئة آلام الجوع. وثّق بعض الصحفيين المحليين مشاهد لأمهات يخلطن الدقيق بالماء فقط دون خبز، ليُشعرن أطفالهن أنهن “طبخن لهم شيئًا”.
هند، أم لطفلين، تقول:
“في ليلة من الليالي، أعطيت أطفالي ماءً بسكر وهم يظنون أنه شاي… ما قدرت أتحمل نظرتهم وهم جعانين.”
أرقام تقشعر لها الأبدان
وفقًا لتقارير محلية ودولية:
- أكثر من 80% من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
- حوالي 400 ألف طفل تحت خط الجوع الحاد.
- حالات الوفاة بسبب سوء التغذية بدأت تُسجل لأول مرة منذ سنوات.
ما يحدث في غزة ليس “كارثة إنسانية”، بل سياسة تجويع ممنهجة ضد المدنيين.
المجتمع الدولي: صمت أم تواطؤ؟
رغم كل هذا، لا تزال الاستجابة الدولية خجولة. مؤتمرات، بيانات، ونداءات لا تُطعم جائعًا ولا تُوقف مجرمًا. بينما تنادي الأمم المتحدة بضرورة فتح الممرات الإنسانية، تواصل إسرائيل منع دخول المساعدات، في ظل غطاء سياسي غربي مريب.
السؤال الذي يطرحه كل فلسطيني اليوم: “أين العالم؟”
التضامن لا يكفي… الفعل هو المطلوب
نعم، التضامن الرقمي مهم. ولكن أطفال غزة لا يأكلون من التغريدات ولا يشربون من الصور الرمزية. المطلوب:
- ضغط شعبي عالمي حقيقي.
- مقاطعة كل من يشارك في هذا الحصار.
- دعم مباشر لمبادرات الإغاثة الجادة.
إذا كان العالم لا يملك الشجاعة ليقول “كفى”، فعلى الشعوب أن تفعل.
خاتمة: غزة تجوع… لكنها لا تركع
رغم الجوع، الألم، والخذلان، غزة لا تزال واقفة. تقاتل بشرف، وتحافظ على كرامتها. الأمهات يخترعن كل يوم وسيلة جديدة ليطعموا أبناءهن، والشباب يوزعون ما لديهم على الجيران، حتى وإن كان القليل.
في غزة، الجوع لا يعني الضعف… بل هو شهادة على قوة الإرادة. ومهما طال الحصار، لن يُهزَم شعبٌ جعل من الصمود وجبة يومية.